المجتمعات الذكية والاستدامة الديموغرافية في المدن العربية: نموذج إحصائي لتقييم جاهزيتها للتحولات السكانية المستقبلية

مع تصاعد التحديات الديموغرافية والاقتصادية والرقمية التي تواجه المدن العربية، شهدت المنطقة زيادة في معدلات التحضر من 48% في عام 2000 إلى حوالي 58% بحلول عام 2023، مع توقعات بارتفاعها إلى 68% بحلول عام 2050. في هذا السياق، تسلط هذه الدراسة الضوء على أهمية التحول نحو المجتمعات الذكية وتحقيق الاستدامة الديموغرافية في المدن العربية، من خلال تطوير نموذج إحصائي متكامل لقياس مدى جاهزية المدن العربية لاستيعاب التحولات السكانية المستقبلية. وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الكمي التحليلي وتوظيف تقنيات إحصائية متقدمة، حيث تم جمع بيانات 45 متغيرًا تشمل 17 مدينة عربية استنادًا إلى قاعدة بيانات الأمم المتحدة، وتم تصنيف هذه المتغيرات ضمن ستة محاور رئيسية تشمل: العوامل الديموغرافية، الجوانب الاقتصادية، التحول الرقمي، التعليم والمهارات الرقمية، البيئة والطاقة المتجددة، والصحة الذكية والرعاية الاجتماعية. تم تطبيق التحليل العاملي لاشتقاق مؤشر الجاهزية الديموغرافية، يليه استخدام تحليل الانحدار المتعدد لاستكشاف العلاقة التنبؤية بين متغيرات التحول الرقمي ومدى الجاهزية الديموغرافية، مع تطوير نموذج إحصائي شامل يجمع جميع المتغيرات المدروسة. علاوة على ذلك، تم استخدام التحليل العنقودي لتصنيف المدن العربية إلى ثلاث فئات رئيسية وفقًا لمستوى الجاهزية الديموغرافية. وقد أظهرت أهم نتائج الدراسة عن توليد مؤشر لمستوى الجاهزية الديموغرافية للمدن العربية، وأن نسبة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كأحد متغيرات التحول الرقمي، تلعب دورًا رئيسيًا في التنبؤ بقيمة مؤشر الجاهزية الديموغرافية بمعامل تأثير معياري بلغ 0.85. أما النموذج الإحصائي الشامل، فقد كشف أن متوسط العمر المتوقع المتغير الأكثر تأثيرًا في الجاهزية الديموغرافية (معامل معياري 0.44)، تليه متغيرات معدل تحضر السكان (معامل تأثير 0.30)، ثم مؤشر جودة الهواء (معامل تأثير 0.15)، ثم كلا من معدل الخصوبة والهجرة الداخلية بتأثير عكسي على الترتيب (-0.30، -0.15)، وبناءً على التحليل العنقودي، تم تصنيف المدن العربية إلى ثلاث مجموعات رئيسية: ذات جاهزية ديموغرافية مرتفعة، ذات جاهزية متوسطة، ذات جاهزية منخفضة. وأوصت الدراسة بضرورة تطوير إطار تشريعي شامل يهدف إلى تعزيز التخطيط الديموغرافي الاستباقي في المدن العربية، مع التأكيد على أهمية تبني الحكومات العربية خططًا استراتيجية متكاملة لمواكبة التحولات السكانية المستقبلية. كما دعت إلى إنشاء مرصد عربي للاستدامة الديموغرافية لمراقبة وتقييم مدى جاهزية المدن العربية لمواجهة التحديات الديموغرافية المتوقعة.